قامت ثورة 25 يناير حسب علمي يوم عيد الشرطة، قامت لإسقاط "نظام يوليو" بعقليته الأمنية وهواجسه العسكرية بعد خمس وخمسين سنة من حكم الطوارئ. قامت ضد إعلام كاذب ينقل فيه تليفزيون الدولة الرسمي غير ما يحدث على أرض الواقع. قامت ضد محليات فاسدة، ومحافظ ورئيس حي وعمدة لا يختارهم أهل المكان، تلقي بهم السلطة المركزية في القاهرة على رؤوس الأقاليم. قامت للحق والعدل ضد نائب عام "أجرة" يعمل لرئيس جمهورية مبارك الفاسد المفسد، قامت ولم تقعد حتى الآن.
كان الأمل بعد الثورة إصلاحاً جاداً لكل ما سبق، إعادة بناء للشرطة على ورقة بيضاء، إعادة هيكلة للإعلام الرسمي تضمن إعتزاله من دور بوق السلطة. إعادة السيادة للشعب ينتخب المحافظين ويجعل من مجلس مدينته قوة فاعلة في حياتنا اليومية. إعادة الاستقلال للقضاء بقوانين تنأى به عن السياسة ومشاكلها. إعادة الأمل في رغيف العيش بتطبيق جاد في الحد الأعلى للأجور مثلا ً، ليشمل حوافز وبدلات موظفي الحكومة لا مرتبهم المربوط فقط.
لم يحدث أي من هذا. بقي الحال على ما كان عليه والشرطة كما هي وإن حاولت التجمل بمساحيق إرضاء الشعب. وماسبيرو ما زال على وتيرة ما قبل الثورة، يعمل لرئيس الجمهورية لا لشعبه، والنائب العام من عبد المجيد محمود إلى طلعت إبراهيم يا قلبي لا تحزن، كلاهما سواء. والوطن في كل هذا ينهار اقتصادياً ويتم شحنه دينياً، تأجيج الأخ ضد أخيه دون أي اعتبار لمبادئ إنسانية مشتركة تشملنا جميعاً.
لماذا كل هذا؟ لأن حاميها كان حراميها.
المجلس العسكري ومن ورائه الإخوان استخدموا أدوات "نظام يوليو" بدلاً من إصلاحها. الجيش المصري حتى الآن لم يتحمل مسؤولية شهداء ماسبيرو أو يعترف بجريمة كشوف العذرية. "ست البنات" لم يراضها أحد في زي عسكري، ومن قام بتعذيب المواطنين في المتحف المصري ما زال حراً طليقاً بيننا.
الإخوان، بعد ستين سنة تحت الأرض، يبدون وقد أصابهم ذات الداء الذي أصاب جلاديهم، فأصبحوا هم أول فلول "نظام يوليو"، أهمهم وأقواهم على الإطلاق. تربوا على حجر مبارك وتعاونوا مع نظامه في انتخابات 2005 و2010، ثم جلسوا مع عمر سليمان والثورة تشتعل، فتعلموا وأجادوا وحكمونا بذات آليات النظام الذى قامت عليه الثورة. يا ليتنا نتوقف عن الإشارة الطفولية الساذجة لطائرات الجيش ومروحياته كلما حلقت فوق الرؤوس في الميدان. يا ليتنا نقف لنشكك فى مقولة "نار العسكر ولا جنة الإخوان".
جيش أحمد عرابى فوق الرؤوس، أما جيش الخديوي توفيق المتواطئ مع بريطانيا، فلا نعيره هماً. الإصلاح الثوري الجاد ممكن إن وجدت الإرادة السياسية له. إصلاح في الشرطة والإعلام والقضاء والمحليات والخدمات، كهرباء ومياه وشوارع نظيفة. فمشاريع الإصلاح في كل هذه القطاعات مطروحة من شتى الخبراء، والتنفيذ ممكن، شرط أن لا يكون حامي الثورة حراميها من جديد.